أخبار العالم

تنافس الصين والغرب نحو التحول إلى الطاقة الخضراء “يذبح إفريقيا”

في ظل التغيّر المناخي الآخذ في الازدياد، فضلاً عن الارتفاع الحادّ بأسعار الطاقة التي جلبتها معها الحرب الأوكرانية التي دخلت شهرها الخامس، صوّت البرلمان الأوروبي في نهاية يونيو/حزيران لحظر بيع السيارات الجديدة التي تستخدم البنزين أو الديزل بشكل فعال بحلول عام 2035.

تبنّت هذا القرار دول الاتحاد الأوروبي، ثالث أكبر سوق للسيارات في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، من شأنه أن يُحدِث ثورة في زيادة الطلب على تكنولوجيا صناعة السيارات الكهربائية، وبالأخصّ سوق صناعة البطاريات التي تُعتبر العصب الرئيسي لهذا القطاع بأكمله.

لكن ما لم يذكره البرلمانيون الأوروبيون ويصرّ الغرب على تجاهله، هو قدرة إفريقيا على توفير الطلب الهائل على المعادن الرئيسية التي تدخل في صناعة البطاريات، مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنغنيز والبلاديوم وغيرها، على نطاق واسع وسريع، فضلاً عن الآثار السلبية والقذرة التي ستتعرض لها القارة السمراء في طور التحول العالمي، والأوروبي مؤخراً، من الطاقة السوداء إلى الخضراء.

الأسرار القذرة للطاقة الخضراء

يكمن السر القذر للثورة الخضراء في تعطُّشها الشديد إلى الموارد من إفريقيا وأماكن أخرى، التي تُنتَج باستخدام بعض أقذر التقنيات في العالم. علاوة على ذلك فإن التحول المتسارع إلى البطاريات يهدّد الآن بتكرار واحدة من أكثر الديناميكيات تدميراً في تاريخ الاقتصاد العالمي، وهو تجفيف مصادر السلع الخام من جنوب الكرة الأرضية بطريقة جعلت البلدان المتقدمة غنية بشكل لا يمكن تصوره، فيما تترك أثراً من التدهور البيئي، وانتهاكات لحقوق الإنسان، والتخلف شبه الدائم في جميع أنحاء العالم النامي.

ولأن معادن البطاريات تكتسب أهمية استراتيجية من نواحٍ كثيرة مماثلة للدور المركزي الذي لعبه النفط لفترة طويلة، فسيكون من الصعب جدّاً على البلدان النامية التي لديها موارد كبيرة الحفاظ على مسارات التنمية الخاصة بها من أن تختطفها الجغرافيا السياسية.

ولعل أبرز مثال حي على هذه الظاهرة هو ما تعانيه جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تتحكم في أكبر احتياطيات معروفة من الكوبالت في العالم، وهو معدن ظهر مفتاحاً للتحول الأخضر، خصوصاً أن بطاريات المركبات الكهربائية المنتجة من الكوبالت تتيح مسافات أطول للقيادة.

الصين لاعب محوري

في خضمّ الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية عالمياً، بدأت الشركات وحتى الدول تسابق الزمن لحجز مقعد متقدم لها في سباق تقوده الصين حالياً ضمن سلسلة توريد البطاريات، بدءاً من التعدين مروراً بالمعالجة وصولاً إلى تصنيع البطاريات والسيارات التي ستعمل بها.

وبينما تسيطر الصين على سوق السيارات الكهربائية حول العالم بإجمالي مبيعات بلغ 1.3 مليون سيارة كهربائية العام الماضي، بما يشكّل أكثر من 40% من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية حول العالم وفقاً لصحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن شركة تصنيع البطاريات الصينية (CATL) تسيطر وحدها على نحو 30% من سوق بطاريات السيارات الكهربائية في العالم.

وعندما كان سعر الكوبالت منخفضاً نسبياً في عام 2016، دخلت الصين، التي حددت حكومتها بطاريات السيارات الكهربائية وسلاسل التوريد الخاصة بها كمكانة صناعية استراتيجية في وقت مبكّر، في جولة تسوُّق، واشترت شركة التعدين العملاقة “China Molybdenum” أحد أكبر مناجم الكوبالت في العالم المعروف باسم “Tenke Fungurume” الواقع في جنوب شرقيّ الكونغو.

وبفضل هذا المنجم وغيره من الاستثمارات الصينية الضخمة في هذا المجال، تسيطر الشركات الصينية اليوم على 60% من احتياطيات الكوبالت العالمية و80% من قدرة تكرير الكوبالت في العالم، مما ساعد الصين على تأمين ريادة كبيرة كصانع بطاريات للسيارات الكهربائية، فيما تسيطر شركة صينية واحدة، هي “CATL”، على نحو 30% من سوق بطاريات السيارات الكهربائية في العالم.

الطاقة الخضراء “تذبح إفريقيا”

وفقاً لتحليل جديد لسوق السيارات الكهربائية أجرته “بلومبيرغ لتمويل الطاقة الجديدة ” (BNEF)، يتوقع أن تكون السيارات الكهربائية رخيصة الثمن مثل سيارات البنزين في غضون السنوات الثماني القادمة، وأن يبلغ عددها 40-70 مليون سيارة بحلول 2025، وصولاً إلى 530 مليون سيارة بحلول 2040.

بالعودة إلى الكونغو، فهي ليست دولة إفريقية عادية، لأنها تمتلك موارد هائلة تُعتبر أساسية لتكنولوجيا الطاقة الخضراء. لكن سيتعين على أي شريك يهتم بالثروة المعدنية للكونغو أن يتغلب على عقبات البنية التحتية، خصوصاً أنها لا تمتلك محور نقل عالمياً بسبب موقعها غير الساحلي وسط إفريقيا.

هنا تحديداً تكمن قوة الصين في هذا القطاع، للاستثمارات الهائلة على شكل قروض ميسرة، التي ضختها الشركات والبنوك الصينية لبناء البنية التحتية للسكك الحديدية والمواني في إفريقيا. في عام 2019، قدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنه بُنيَت 46 ميناءً إفريقياً جنوب الصحراء الكبرى، وسّعها أو شغّلها الكيانات الصينية، لربط مناطق إنتاج الموارد الطبيعية بالبحر وشحنها إلى الصين، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان الحقبة الاستعمارية الغربية للقارة.

مقالات ذات صلة

إغلاق