تقنية
الذكاء الصناعي بين التقنية والأخلاق
يعدّ الحاسوب منذ سنوات طويلة جزءا أساسيا ومهما في تسهيل حياة الإنسان، وقد ازدادت أهميته وضرورته في تطوير أسلوب الحياة مع تطور التقنيات وتقدم الذكاء الصناعي. وسواء تعلق ذلك بالناحية الطبية؛ بأجهزتها المعقدة، أو بالتربية والتعليم، أو بالصناعة، أو بمجالات أخرى، فإن الحاسوب أضحى يشكل في بعض الأحيان حجر الأساس في هذه الميادين.
وحتى نوضح موقفنا أكثر، فإننا لا نتحدث هنا عن الحاسوب بمفهومه العامي، الذي قد يفهم منه أجهزة الحواسيب المنزلية أو تلك التي توجد في العمل، بل نقصد الآلة القابلة للبرمجة واستقبال البيانات والتعامل معها بوجه عام. لذلك، فمن هذا المنطلق، لا بد لنا أن نتساءل:
قد نتفق جميعنا على أن الحاجة إلى التقنية تزداد يوما بعد يوم، خصوصا في ظل تنافس الأمم في الوصول إلى تقنيات جديدة تسبق عن طريقها الأمم الأخرى في تحقيق الثروة أو السعادة ورغد العيش. لكن هذا التقدم قد يدخل نفقا من نوع آخر، إذا انتقل من التركيز على تحسين الحياة من الناحية المادية إلى الذكاء الصناعي في الأمور الأخلاقية مثلا!
وهنا نذكر خبرا نقلته مجلة “الفلسفة الآن” البريطانية، عدد يناير/فبراير 2022، يقول إن مجموعة من المطوّرين تمكنوا من إنجاز برنامج يستطيع التعامل مع وضعيات ومسائل من الحياة الإنسانية، ويستطيع أيضا إطلاق الأحكام الأخلاقية بخصوص هذه الوضعيات. أُطلق على هذا البرنامج اسم “ديلفي”، تمت برمجته داخليا بمجموعة من السيناريوهات المحتملة ويجب عليه أن يقرر بخصوص فعل ما، هل هو صائب أم خاطئ؟ مثلا هل من الصواب أن أعنف إنسانا آخر؟ يجيبك البرنامج قائلا: “هذا الأمر ليس صائبا”.
وتتكون قاعدة بيانات ديلفي من 1.7 مليون وضعية أخلاقية مثبتة يستطيع البت في مدى صوابها، كما تمت برمجته بطريقة تجعله قابلا لاستقبال وضعيات جديدة والتعامل معها، بل إضافتها إلى قاعدة بياناته حتى تتحسن جودة الأحكام التي يطلق كلما استُعمل أكثر فأكثر. ويعني ذلك أنه قادر على أن يحسّن من أداء ذاته بنفسه، كما تمت برمجته ليأخذ بالاعتبار الوضعيات التي يَحضُر فيها التمييز العرقي والنوعي وغيره، لكي يكتشف هذه الحالات ويعدّها خاطئة. لكن بالمقابل، وإلى حدود كتابة هذه السطور، لا يزال البرنامج يرتكب أخطاء، فقد سُئل مثلا: “هل من الصواب أن أقوم بطعن شطيرة البيرغر؟” فأجاب بأن الأمر ليس صائبا.
لقد قدمنا حالة البرنامج ديلفي ليس لأنه جاهز لمساعدة الإنسان من الناحية الأخلاقية، بل لأنه يفتح أمامنا أفق التفكير في موضوع الذكاء الصناعي والحدود الممكنة له، خصوصا أن هناك تضاربا في الآراء حول مسألة الذكاء الصناعي بين من يطمحون إلى إنتاج حاسوب أو روبوت لديه وعي ذاتي يشبه الوعي البشري، ومن يرون أن هذه المسألة ستكون أسوأ ما يمكن أن ينتجه الإنسان على الإطلاق.
وحتى أختم تدوينتي برأيي الخاص، ففي اعتقادي أنه يمكن للبشرية أن تستعين بالحاسوب والذكاء الصناعي عموما لتحسين ظروف العيش، بما في ذلك تنظيم الحياة العامة، كنقل المسافرين والبضائع، وأيضا من الناحية الطبية في التدخلات التي تتطلب دقة كبيرة، أيضا فيما يخص الإعلام والتواصل بمختلف أشكاله، وتقنيات توقع الكوارث الطبيعية وغيرها من مجالات الحياة العامة والخاصة، ولم لا؟ أما في الجانب اللامادي، مثل إطلاق الأحكام الدينية والأخلاقية والقضائية، التي تتطلب وعيا من نوع خاص لما للموضوع من حساسية كبرى، فيفضل أن يظل الإنسان سيدا لها، ولا يتركها تحت رحمة جهاز يمكن أن يخطئ (أخطاء ناتجة عن البرمجة) أو يتعرض للقرصنة، أو في أحسن الأحوال، أن يتوقف عمله بانقطاع الكهرباء!