غير مصنف
الهاشل : بنك الكويت المركزي تبنى سياسات استثنائية خلال «الجائحة»
أعلن محافظ بنك الكويت المركزي، د. محمد الهاشل صدور التقرير الاقتصادي لعام 2020، وهو الإصدار التاسع والأربعون من سلسلة يُعدها ويُصدرها “المركزي”، والذي يتضمن أحدث البيانات والإحصاءات المتاحة حول مختلف جوانب الأداء الاقتصادي لدولة الكويت، ويوثّق أهم التطورات التي شهدها الاقتصاد الكويتي خلال العام ضمن ستة أجزاء، بحيث يتناول كلٌ منها موضوعا رئيسيا بالقدر الوافي من الشمول.
وأوضح المحافظ أن الاقتصاد العالمي واجه عاما استثنائيا بالغ الصعوبة بسبب جائحة كورونا، التي أحدثت صدمة اقتصادية وصفت بأنها الأكثر حدة في آخر مئة عام، وأدت إلى اتخاذ تدابير احترازية صارمة وصلت إلى مرحلة الإغلاق الكلي للكثير من الأنشطة الاقتصادية أثناء موجتيها الأولى والثانية. وقد ترتب على تلك التدابير توقف لجزء كبير من النشاط الاقتصادي محليا وعالميا نجم عنه صدمة اقتصادية على جانبي العرض والطلب.
وعلى أثر الجائحة وانعكاساتها الخطيرة، شهد الاقتصاد العالمي وفق تقديرات صندوق النقد الدولي انكماشا بنحو 3.3 في المئة خلال عام 2020 مقابل نمو بنحو 2.8 في المئة لعام 2019. وفي السياق عينه، تأثر الاقتصاد المحلي بالجائحة وبتداعياتها على الاقتصاد العالمي والإقليمي ودخول العديد من الدول في مرحلة الركود الاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى تراجع معدلات الطلب العالمي على النفط وانهيار أسعاره، وهو ما انعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على أوجه النشاط الاقتصادي بالكويت.
الناتج المحلي الإجمالي
وفي هذا السياق، أوضح الهاشل، أن التقديرات والإحصاءات الأولية تشير إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي للكويت بالأسعار الثابتة بمعدل 9.9 في المئة خلال عام 2020 مقارنة بنمو بلغ معدله نحو 0.4 في المئة خلال عام 2019، كما انخفضت قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بنحو 23.2 في المئة.
وقد جاء هذا التراجع مدفوعا بشكل أساسي بانخفاض متوسط سعر البرميل من نفط خام الكويت التصديري ليصل إلى نحو 41.5 دولارا للبرميل خلال عام 2020، وذلك بانخفاض معدله 35.2 في المئة.
وعلى صعيد آخر، سجل معدل التضخم مقاسا بالرقم القياسي لأسعار المستهلك بالكويت ارتفاعا ليبلغ نحو 2.1 في المئة خلال عام 2020 بعد أن سجل نحو 1.1 في المئة خلال عام 2019، وتراجع إجمالي أعداد السكان بالكويت في نهاية عام 2020 بنحو 2.2 في المئة مقارنة بنمو معدله 3.3 في المئة بنهاية عام 2019.
السياسات النقدية والرقابية
وعلى صعيد التطورات النقدية والمصرفية خلال عام 2020، أشار المحافظ إلى أن السياسات النقدية والرقابية لبنك الكويت المركزي شهدت تحركا سريعا وحاسما منذ بداية انتشار وباء كورونا، حيث وجه البنك المركزي جهوده وإمكانياته لمجابهة الآثار السلبية الناجمة عن الجائحة مستخدما الأدوات المتاحة لديه، ودون التخلي عن أهدافه الأساسية الرامية إلى ترسيخ الاستقرار النقدي والمالي.
وفي ظل ما فرضته الجائحة من تداعيات تتطلب دعم القطاعات الاقتصادية ومساعدتها في احتواء هذه الصدمة، وتوفير الأجواء الداعمة للثقة في الاقتصاد الوطني وتحفيز قدرته على التعافي من آثار الأزمة، فقد تبنى بنك الكويت المركزي سياسات نقدية تيسيرية استثنائية، حيث قام خلال مارس 2020 بتحرك استباقي سريع بتخفيض سعر الخصم لمستويات هي الأدنى تاريخيا، لتصل إلى 1.5 في المئة، ثم تبع ذلك إجراء تخفيض في سعر الريبو وأسعار التدخل في السوق النقدي، لينعكس ذلك في انخفاض مؤشرات أسعار الفائدة المحلية خلال عام 2020 مقارنة بالعام السابق.
الإشراف والرقابة
في موازاة ذلك، وعلى صعيد الإشراف والرقابة المصرفية، وتعزيزا لحزمة الإجراءات النقدية التي طبقها بنك الكويت المركزي، بهدف دعم القطاعات الاقتصادية الحيوية، والمشاريع ذات القيمة المضافة للاقتصاد المحلي، والمتضررين من أفراد ومشاريع صغيرة ومتوسطة وشركات بهدف مساعدتها على تخطي ظروف الجائحة، قام البنك المركزي بتعديل تعليماته الرقابية وأدوات سياسة التحوط الكلي، بتخفيف متطلبات النسب الرقابية على صعيد معايير السيولة، ومعايير كفاية رأس المال، ومعايير الإقراض لمساعدة البنوك على أداء دورها الحيوي في الاقتصاد وتحفيزها على تقديم مزيد من القروض والتمويل للقطاعات الاقتصادية والعملاء المتضررين من الأزمة ومساعدة القطاع المصرفي على مواجهة الصدمات خلال عام 2020، ويتمتع القطاع المصرفي بمرونة عالية ومستوى جيد من الرسملة والسيولة بفضل حزمة السياسات النقدية والرقابية الحصيفة من البنك المركزي.
سعر الصرف
وعلى صعيد سعر الصرف خلال عام 2020، أوضح المحافظ أن الدينار حافظ على استقراره النسبي مقابل العملات الرئيسية في إطار نظام سعر الصرف القائم على ربط سعر صرف الدينار بسلة خاصة موزونة من عملات أهم الشركاء التجاريين والماليين للكويت، كما عززت تدخلات السياسة النقدية التحفيزية والسياسة الرقابية لبنك الكويت المركزي من أجواء الثقة وتجنب أزمات الائتمان ووفرت السيولة لدعم التعافي الاقتصادي، وهو ما يستدل عليه من مؤشرات أداء القطاع المصرفي، لاسيما خلال النصف الثاني من عام 2020، حيث سجلت أرصدة الائتمان الممنوح للقطاع الخاص نموا ايجابيا بنهاية عام 2020.
وارتفعت وتيرة النمو في مستويات السيولة المحلية خلال العام المذكور، حيث سجل عرض النقد بمفهومه الواسع (ن2) ارتفاعا بمعدل 3.8 في المئة بعد انخفاضه بمعدل 1.2 في المئة في العام السابق، وواصلت ودائع المقيمين لدى البنوك المحلية ارتفاعها وبوتيرة أسرع، إذ ارتفعت بنسبة 3.8 في المئة مقابل نمو بنسبة 0.3 في المئة للعام السابق، ورغم تباطؤ وتيرة النمو في أرصدة الائتمان المحلي خلال عام 2020 فإنه استطاع الحفاظ على تحقيق نمو إيجابي معدله 3.5 في المئة، بالرغم من فترة الإغلاق للأسواق، ولا شك في أن مواصلة التسهيلات الائتمانية لمعدلات نمو إيجابية يعكس فعالية إجراءات السياسة النقدية التيسيرية لبنك الكويت المركزي.
وفيما يتعلق بالقطاع الخارجي، قال المحافظ إن الحساب الجاري لميزان مدفوعات دولة الكويت سجل فائضًا، رغم تداعيات الجائحة، بنحو 6849.9 مليون دينار، خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2020، بانخفاض قيمته 390.6 مليونا ونسبته 5.4 بالمئة، مقارنةً بالفترة المناظرة من العام السابق.
السلامة المالية للبنوك
وأشار إلى أنه بالرغم من متانة مؤشرات السلامة المالية للبنوك وقدرتها على مقاومة الصدمات وعلى النحو الذي أظهرته نتائج اختبارات الضغط المالي التي أجراها “المركزي” في ضوء تداعيات الجائحة، فإن البنك سيظل مستمرًا في رقابته اللصيقة للقطاع المصرفي والمالي، وعلى نحو يُراعي التحوّط المتوازن، حيث تبقى البنوك قادرة على تقديم خدماتها بكفاءة عالية ودون انقطاع لمختلف قطاعات الاقتصاد الوطني في ضوء متابعة يقظة لتطورات الأوضاع الاقتصادية والمصرفية، وإلى أن يتم العبور بسلام من الأزمة الراهنة. وسيستمر البنك في تعزيز الاستقرار النقدي والمالي، وهما شرطان أساسيان – وإن كانا غير كافيين – لتحقيق الاستقرار الاقتصادي المُستدام.
اختلالات هيكلية
وبيّن المحافظ أن “المركزي” لا يزال يؤكّد أهمية الإسراع في تنفيذ الإصلاح الشامل للاختلالات الهيكلية التي يُعانيها الاقتصاد، والمتمثّلة بتنامي اختلالات المالية العامة، حيث يحتل بند المصروفات الجارية (التي تشمل تعويضات العاملين والتحويلات والدعوم الحكومية المختلفة) الجزء الأكبر من الإنفاق العام، في حين تعتمد الموازنة العامة للدولة – إلى حد كبير – على الإيرادات النفطية التي تشكل نحو 90 بالمئة وتشكل أيضا نحو 90 بالمئة من إجمالي الصادرات السلعية، ويبلغ إسهام القطاع النفطي 45 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يؤكد استمرار هيمنة القطاع النفطي على مختلف مفاصل الاقتصاد الكويتي، ويزيد من خطورة هذا الاعتماد المفرط على النفط أننا لا نملك التحكم بسعره المتقلب، فضلًا عن أنه مهدد على المدى الطويل بانخفاض الطلب العالمي، بعد أن باتت ظاهرة التغيّر المناخي تؤرق قادة العالم، وباتوا أكثر جدية في معالجتها عبر جملة من الإجراءات، من بينها إصدار قوانين جديدة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وما يترتب على ذلك من ضرر مزدوج.
فمن جانب تهدد هذه التوجهات العالمية القطاع النفطي الذي له مساهمة مؤثّرة على الناتج المحلي الإجمالي، ومن الجانب الآخر تهدد الاستقرار المالي، حيث تقدّم البنوك الكويتية تسهيلات كبيرة لمشاريع القطاع النفطي، وستتأثر سلبًا إن تراجع هذا القطاع. لذا يستمر “المركزي” في توجيه سياسته الائتمانية والرقابية، بما يُساعد على التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وفي الوقت ذاته توجيه القطاع المصرفي لبناء المصدّات وتكوين الاحتياطيات مقابل الانكشاف على القطاع النفطي.
هيمنة الدور الحكومي
وذكر المحافظ أن من بين الاختلالات كذلك هيمنة الدور الحكومي على النشاط الاقتصادي، ومحدودية دور القطاع الخاص في دفع عجلة النمو الاقتصادي. فعلى مدى العقود الماضية استمر الإنفاق العام عند مستويات عالية، ازدادت تسارعًا في السنوات الأخيرة، فشهدنا قفزات لافتة في بنود المصروفات الجارية حتى بلغت 88 بالمئة من جملة المصروفات الفعلية في الموازنة العامة للسنة المالية 2019/ 2020، فيما تصل نسبة المصروفات الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 52 بالمئة، وهي بذلك الأعلى خليجيًا ومن الأعلى عالميًا، إذ يتراوح المعدل العالمي بين 30 و38 بالمئة، بيد أن هذا الإنفاق السخيّ لا يقابله تميّز في الخدمات الحكومية وكفاءتها، التي مازالت تخسر المقارنة أمام خدمات الدول المقاربة لنا من حيث أوضاعها المالية والاقتصادية وحجم الإنفاق العام.
سوق العمل
وثالث تلك الاختلالات يختص بهيكل سوق العمل الناتجة عن استقطاب الحكومة للجزء الأكبر من العمالة الوطنية وما يخلقه ذلك الوضع من تحديات للحكومة في توفير فرص العمل للأعداد المتزايدة من المواطنين، وهي نتيجة من نتائج هيمنة الدور الحكومي في الاقتصاد، حيث ينوء القطاع الحكومي وحده بعبء توظيف 81% من قوة العمل الكويتية، وليس خفيا ما يجلبه ذلك من تضخم الموازنة وتفشي البيروقراطية وضعف الأداء وانخفاض الإنتاجية وانتشار البطالة المقنعة، في حين تشير التقديرات إلى أن السنوات الخمس القادمة ستشهد دخول نحو 100 ألف مواطن ومواطنة إلى سوق العمل، وبالتالي لن يتمكن القطاع الحكومي من استيعاب الجزء الأكبر من هذه الطاقات الشابة، ولذلك يتعين احتواء بند الأجور والمرتبات كجزء من جهود الإصلاح المالي على المدى المتوسط، وذلك من خلال إحياء دور القطاع الخاص، وتعزيز الشراكة معه ورفع تنافسيته ودعم قدرته على خلق فرص العمل، بالتوازي مع التفعيل السريع للخصخصة، ليغدو القطاع موظفا رئيسيا للعمالة الوطنية. أما القطاع الحكومي فيتعين عليه تبسيط هيكل الأجور والمرتبات والتحقق من عدالته واتساقه بين الجهات الحكومية، وبما لا يتسبب في عزوف العمالة الوطنية عن العمل في القطاع الخاص.
وأمام هذه التحديات الجسام علينا جميعا المبادرة إلى مواجهتها بجهود متكاملة ومساع متناغمة، قائمة على مرتكزات متينة لصياغة معالجة سليمة وفاعلة لتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي وتحقيق استدامة النماء والرفاه للجميع. وما لم تتخذ إجراءات جدية وملموسة في جانب الإصلاحات المالية والاقتصادية، فلن نتمكن من تحقيق الاستقرار والاستدامة الاقتصادية، ولسوف نشهد مزيدا من التخفيض في التصنيف الائتماني السيادي، ومزيدا من التداعيات والانعكاسات السلبية على الأوضاع الاقتصادية والمالية في الدولة، وما يجره ذلك من ارتفاع الكلفة على المال العام في حال اللجوء إلى الاقتراض من الأسواق الخارجية، وضرر بالغ على سمعتها المالية المشهود بها لسنوات طويلة، وانعكاسات هذا التخفيض على القطاع المصرفي في الدولة الذي طالما حافظ على تصنيفات ائتمانية عالية يساندها بذلك التصنيف الائتماني السيادي للدولة.