هذا ويمثّل اللعب أحد الروافد المهمَّة التي تتسرب بواسطتها المعرفة والمعلومات إلى الطفل، ويكتسب من خلالها الطفل عديداً من المهارات الاجتماعية والاتجاهات الإيجابية.
ويُعَدّ اللعب أحد أهمّ الحقوق التي يجب أن يحصل عليها الطفل والمكفولة وفق المعاهدات الدولية، فقد نصَّت المادة 31 من اتفاقية الطفل على ضرورة اعتراف “الدول الأطراف بحقّ الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه”.
وقد بيّنَت الدراسات التربوية والنفسية أنّ اللعب يسعى إلى تنمية وتطوير شخصية الطفل من مختلف جوانبها الجسمية، إذ ينمّي اللعب المهارات الحركية والنمو الجسمي لدى الطفل من جهة، ومن جهة أخرى هو وسيلة للتخلص من الطاقة الزائدة لديه.
ومن الناحية الاجتماعية فاللعب مجال خصب لتوسيع دائرة الطفل الاجتماعية وإكسابه عديداً من الخبرات التي تؤهّله للتعامل مع الآخرين والضوابط التي تنظّم علاقته معهم، كما يعلّم اللعب الطفل قيماً اجتماعية عديدة كالمشاركة والتعاون والتدرب على مهارات الأخذ والعطاء وتَعلُّم النظام واتباع القوانين وغيرها عديد من القيم التي يحتاج إليها الفرد في شتى مجالات حياته.
يعتبر عالم النفس جان بياجيه أن اللعب وسيلة تَعلُّم بالدرجة الأولى، وجزء لا يتجزأ من عملية النمو العقلي والذكاء لدى الطفل، إذ يعتقد أن الأطفال يتعلمون بكفاءة أكبر ويكتسبون معرفة أكثر عن طريق النشاطات القائمة على اللعب، كما في لعبة الشطرنج التي تساعد على تكوين التفكير المنطقي والقدرة على حل المشكلات والتخطيط. كما أثبت عديد من الدراسات أن لعبة الشطرنج تمثّل رياضة عقلية تحمي العقل من الكسل، وتحفز الأجزاء المسؤولة عن التركيز في الدماغ.
أما على الصعيد النفسي، فينمّي اللعب لدى الطفل مفهوم الذات ومبدأ المشاركة مع الآخرين، كما أن تشجيع الطفل على اللعب مع الآخرين يُخرِجه من دائرة الذات، ويُتيح له الفرصة للتعبير عن انفعالاته بحرية وتلقائية، إذ يرى عالم النفس ألفرد أدلر أن في لعب الأطفال مرآة لحاجات الطفولة التي يمكن إشباعها عن طريق اللعب، ومن جهة أخرى يمكن استخدام اللعب أسلوباً من أساليب الإرشاد يستخدمه الإخصائيون في تشخيص وعلاج مشكلات الطفل، كالخوف والقلق والغيرة والاكتئاب… فاللعب مرآة تعكس ما يعانيه الطفل من مشكلات، لأن الطفل خلال لعبه يكون على سجيَّته، فيصبح من السهل اكتشاف مشكلاته وميوله ورغباته.
ولأهمية اللعب في حياة الطفل حرصت المؤسسات التربوية على توظيفه في العملية التعليمية، فالأطفال يتعلمون من خلال اللعب كثيراً من أنماط السلوك التي قد يصعب عليهم اكتسابها من خلال المناهج المدرسية والدروس. ويشترط أن تكون هذه الألعاب مناسبة لسنّ الطفل ونموه البدني والعقلي وملائمة لقدراته وميوله.
جدير بالملاحظة أنه مع هذه الأهمية اللعب نجد أن الشائع في البيئة العربية أن سلوك اللعب مقرون بمفهوم اللهو وإهدار الوقت، فيرى بعضهم أنه إضاعة للوقت، فوقفوا موقفاً سلبياً من ممارسة أطفالهم اللعب.
الثقة بالنفس إحدى سمات الشخصية التي يكتسبها الفرد مبكراً خلال مراحل الطفولة التي تمثّل أهمّ المراحل في حياة الإنسان، لما تتميز به من مرونة وقابلية للتعلُّم. وتُعرَّف الثقة بالنفس بأنها عامل عامّ يمثّل اتجاه الفرد نحو ذاته ونحو بيئته الاجتماعية. فالفرد إما يميل نحو الإقدام على هذه البيئة، وإما يتراجع عنها. كما تُعرَّف أيضا بالقدرة على حلّ المشكلات، وتَقبُّل الذات والآخرين، والاتزان الاجتماعي والاستقلالية واتخاذ القرارات المناسبة، والبعد عن التمركز حول الذات والأنانية والميل إلى الانسحاب.
وبما أن اللعب نشاط اجتماعي يتضمّن التفاعل مع الآخرين، فعن طريقه يمكن للطفل أن يشعر بالقدرة على تحقيق جميع هذه المظاهر التي تدلّ دلالة واضحة على ثقة الفرد بنفسه، فالطفل من خلال اللعب يعبّر عن نفسه بحرية، كما يوفّر له اللعب مساحة للإبداع والإنجاز، فيبدأ إدراكه لذاته، ويزداد تقديره لنفسه وتعبيره عن ميوله ورغباته. وقد أكد عالم النفس إريك أريكسون أنه كلما ازدادت الثقة بالنفس لدى الطفل ازداد لديه الشعور بالكفاية والقدرة على الإنجاز والتغلب على مشكلات الحياة، ومن المهمّ جدّاً أن ندرك أن تحقيق ثمرات اللعب يحتاج إلى متابعة وصبر من الأهل.
كما بيّن عديد من الدراسات أن الأطفال الذين يمارسون اللعب كانت ثقتهم بأنفسهم أعلى من ثقة الأطفال المنعزلين الذين لا يمارسون اللعب والمهارات الحركية والأنشطة المتصلة بها.
من المعروف أن كل طفل مختلف عن الآخر، لكن في جميع الأحوال توجد دائماً فرصة لتنمية ثقته بنفسه وفي أي سنّ من خلال الأنشطة والألعاب. ومن أمثلة هذه الألعاب لعبة الأقنعة، وهي لعبة جماعية مسلّية تُكسِب الطفل مهارة التحاور. وفكرة هذه اللعبة تقوم على وقوف الطفل في المنتصف وأصدقاؤه متحلقون حوله، ويُطلب منه التعرُّف على مَن وراء كل قناع من خلال طرح مجموعة من الأسئلة.
وبما أن الطفل كائن مفطور على حب التقليد، نجد أن لعبة التقليد من الألعاب المفضَّلة لديه التي تُكسِبه عديداً من المهارات الاجتماعية والعاطفية من خلال تقليده سلوكيات وتصرفات شخصية ما، قد تكون أحد أفراد الأسرة أو شخصية تعبّر عن إحدى المهن. إضافة إلى ألعاب الدمى التي تُعتبر من أقدم وسائل التعلُّم باللعب والتي تهدف إلى تطوير قدرة الطفل على التخيل، علماً أن هذه الوسيلة تطورت كثيراً في الوقت الحالي وأصبحت تُستخدم في تدريس الموادّ الدراسية كالعلوم لتَعرُّف أجزاء الجسم.
جدير بالذكر أن اللعب يحتلّ أهمية إضافية عند ربطه بلعب الأدوار، كدور الأم أو دور المعلم، لا سيما وأن أبسط ألعاب الطفولة تتضمن توزيعاً للأدوار ولها أثر عظيم في تعزيز الثقة بالنفس لدى الطفل، من خلال النجاح الذي يحققه في الأدوار التي يمثّلها في اللعب، كما يُعتبر لعب الأدوار من الأساليب الهامَّة في معالجة الخجل عند الأطفال، وفي هذا الصدد نجد في تركيا عادة لافتة للانتباه، إذ يُسمح للأطفال في عيدهم السنوي الذي يصادف 19 مايو/أيار بتقلُّد بعض المناصب العامة من باب ممارسة الأدوار وهو ما ينعكس بشدة على انتمائهم الوطني وثقتهم بأنفسهم.