أخبار العالم
قمّة جدة.. دلالات بارزة وإيجابيّة حيال لبنان
في خضمّ التطوّرات الإقليميّة والدوليّة المتسارعة، وعلى عتبة دخوله في المهلة الدستوريّة لانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة في الأوّل من سبتمبر المقبل، لا يزال لبنان غارقاً في عجزه وانهياره وتعثّره في مقاربة ملفّاته، ولا يزال تشكيل حكومته واقعاً تحت الضربات القاسية بين بيانات الرئاستيْن الأولى والثالثة، ناهيك عن انزلاقه المتواصل نحو متاهات جديدة من الانهيار، فيما ارتفع منسوب التساؤل عمّا يُطبخ له في الكواليس الإقليميّة والدوليّة.
وهذا التساؤل لم يأتِ من العدم، بل اقتضاه فعْل ارتفاع منسوب التعويل على الخارج، والذي هو بحسب تأكيد مصادر سياسيّة متعدّدة لـ«البيان» بمثابة ترجمة لعجز المؤسّسات الدستوريّة عن إنتاج المخارج، تماماً كما أنّ الولاءات الخارجيّة المتضاربة لشرائح سياسيّة وازنة جعلت النظام السياسي الهشّ أسير مصالح عدد من الدول، مع ما يعنيه الأمر من كوْن عودة هذه الشرائح إلى تسويات ليست متاحة في وقت قريب.
ومن بوّابة هذه الوقائع، اكتسب التطرّق إلى الوضع في لبنان، في بيانيْن متعاقبيْن صدرا في جدّة عن «قمّة الأمن والتنمية»، التي ضمّت زعماء الولايات المتحدة والدول الخليجيّة ومصر والعراق والأردن، كما عن اللقاء الأمريكي ـ السعودي، دلالات بارزة وإيجابيّة حيال لبنان، إذْ إنّ البيانيْن أفردا حيّزاً مهمّاً، حجماً ومضموناً، للموقف من لبنان، الأمر الذي يعكس تقدّم واقعه في مستويات أولويّات هذه الدول التي اجتمعت في أحد أبرز المنتديات الإقليميّة الدوليّة، وفق قول أوساط متابعة لـ«البيان»، والتي توقّعت أن يكون لهذه القمّة تردّدات كبيرة ومؤثرة على مستوى إقليمي ودولي، كما من شأنها فتح الباب أمام تطوّرات إيجابيّة لمصلحة لبنان في هذه الظروف البالغة الخطورة التي تحاصره، وذلك من زاوية تشديد المجتمعين في جدّة على وجوب تأليف حكومة جديدة في لبنان ودعمه، كما دعم قوّاته المسلّحة الشرعيّة، وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلّقة بحصْر السلاح بيد الشرعيّة.
وفيما لا يزال الداخل منشغلاً بقراءة مضامين «قمّة جدّة» ونتائجها، حيث شكّل الوضع اللبناني المعقّد والمتشابك جزءاً من بيانها، فإنّ ثمّة إجماعاً على أنّ الدعم الأمريكي والسعودي للبنان «مهمّ»، غير أنّ الأهمّ هو وضع لبنان على خريطة التفاهمات الكبرى في المنطقة، حتى يولد حلّ لا يتمّ وأده في المهد من قبل المتضرّرين الذين لطالما أسقطوا الحلول. كما أنّ ثمّة إجماعاً على أنّ «قمّة جدّة» تشكّل محطة سياسيّة جديدة في المنطقة، وهي تؤسّس إلى مرحلة جديدة.
ومن بوّابة الانتظار والترقّب، تردّد أنّ لبنان تلقّى معلومات تشدّد على أن يبادر قادته إلى تنظيم واقعهم السياسي بحكومة تمسك بالأزمة القائمة فيه، وإلّا فإنّ فشل الاستحقاق الحكومي سيجرّ فشلاً في إتمام الاستحقاقات الأخرى، ما يُسقطه في مزيد من الصعوبات، برّاً وبحراً، بدءاً من التعطيل والفراغ وتغليب الحسابات السياسيّة، ووصولاً إلى مخاوف تطاول ترسيم الحدود البحريّة، خصوصاً وأنّه لم يعد يفصل إسرائيل عن البدْء بعملية استخراج الغاز سوى أسابيع قليلة، بينما لبنان لا يزال في بداية رحلة طويلة من التنقيب والاستكشاف قبل الوصول إلى مرحلة الاستخراج.
أمّا على المقلب الآخر من الصورة، فكلامّ عن أنّ الملفّ الأساسي القابل للاشتعال في المنطقة هو ملفّ ترسيم الحدود اللبنانيّة مع إسرائيل، في ضوء إصرار الإسرائيليّين على تجاهل الشروط اللبنانيّة ومضيّهم قدماً بعمليّة استخراج النفط والغاز من حقل «كاريش»، مع ما يعنيه الأمر من كوْن المنطقة قد تتّجه إلى التصعيد، في ضوء أيّ خطأ في الحسابات أو ضربة من خارج السياق، فإمّا تشهد حرباً وإمّا معركة أو مواجهة أصغر من حرب.