أخبار العالم
تونس – مشروع الدستور الجديد: “إخراج الإسلام من الباب لإدخاله من النافذة”
بعد انتظار طويل، نشر مساء الخميس في تونس مشروع الدستور الجديد الذي طرحه الرئيس قيس سعيّد. ودعي التونسيون للتصويت على هذا المشروع في استفتاء شعبي ينظم في 25 يوليو/تموز الحالي. وانتقد خبراء قانون دوليون هذا المشروع الذي يمنح لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة ما قد يؤدي في نظرهم إلى ولادة نظام أوتوقراطي في تونس.
نشر المشروع الجديد للجمهورية التونسية الخميس في الجريدة الرسمية، وسيصوت عليه التونسيون في 25 يوليو/تموز الجاري. ويتضمن المشروع الجديد 142 مادة ويمنح سلطات واسعة لرئيس الجمهورية خلافا لدستور 2014 الذي كان ينص على نظام شبه برلماني، وكان قيس سعيّد قد أمر بتعليقه في 25 يوليو/تموز 2021.
وإضافة إلى مواد عديدة تعطي صلاحيات أوسع لرئيس الجمهورية، مثل تعيين القضاة وعدم مساءلته خلال عهدته الرئاسية وتمتعه بحصانة كاملة، تنص المادة الخامسة من الفصل الأول والتي أثارت نقاشا حادا في البلاد، على أن “تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية”.
وبينما صرح الرئيس قيس سعيّد سابقا بأن دستور 2014 عفا عليه الزمن وبالتالي يتوجب إصلاحه، انتقدت اللجنة الدولية للخبراء القانونيين، وهي منظمة غير حكومية مقرها جنيف، مسودة الدستور الجديد ودعت في 29 حزيران/يونيو المنصرم إلى سحبها محذرة من أنها ستؤدي إلى إرساء “نظام رئاسوي” في تونس. و حسب سعيد بن عربية، مدير برنامج شمال أفريقيا والشرق الأوسط في اللجنة الدولية للخبراء القانونيين فإن “مشروع إصلاح الدستور يهدف إلى تقنين النظام السلطوي والتعسفي الموجود منذ عام” في تونس. وأضاف: “لا يعترف بالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية على أنها سلطات منفصلة لكن كمهام عادية”.
نظام رئاسي
ويعد مبدأ الفصل بين السلطات، الذي تم التنظير له في القرن الثامن عشر لمواجهة الحكم الملكي الاستبدادي، مبدأ أساسيا في الأنظمة الديمقراطية الحديثة. لكن رغم ذلك قام الرئيس قيس سعيّد بتعليق السلطة التشريعية عند إرساله قوات الجيش إلى البرلمان التونسي في 25 يونيو/تموز 2021 لوقف مهامه.
كما أفرغ منصب الوزير الأول من جوهره فتم تركيز السلطة التنفيذية بين يدي الرئيس. أما بالنسبة للسلطة القضائية، فلقد تعرضت إلى عدة هجمات، بدءا من حل المجلس الأعلى للقضاء إلى غاية عزل سبعة وخمسين قاضيا بموجب مرسوم رئاسي.
وبرر الرئيس التونسي كلا القرارين برغبته وإرادته في إعادة تسليم الحكم للشعب ومحاربة الفساد والعجز السياسي. ويرى مساندو الرئيس قيس سعيّد أن تنظيم استفتاء شعبي في 25 يونيو/تموز ثم انتخابات في نهاية السنة الجارية هو دليل بأن تونس لا تزال دائما بلدا ديمقراطيا.
“إخراج الإسلام من الباب لإدخاله من النافذة”
وسبق مرارا لقيس سعيّد، الذي كان في السابق أستاذ قانون دستوري في الجامعة التونسية، أن تحدث عن رؤيته المثالية للديمقراطية “من “قصر قرطاج إلى القرى”، المبنية على علاقة متينة ومباشرة تربط المجالس المحلية بحكم رئاسي قوي.
وكان الخبراء القانونيون الدوليون قد انتقدوا مسودة الدستور الجديد كونها أهملت دور القوى الوسطية (النقابات العمالية مثلا والجمعيات…) والبرلمان حسبهم وأفرغته من صلاحياتها. وحتى الضوابط والضمانات التي وضعت في إطار الدستور الذي تم التصويت عليه في 2014 لمنع أي انحراف دكتاتوري للحكم (لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات، الإعلام والقضاء على سبيل المثال) بإمكانها أن تتحول إلى قوقعة فارغة وتفقد من قوتها.
وفي هذا الشأن، قال فانسان غيسير، باحث في معهد البحوث والدراسات في شؤون العالم العربي، أن “حكم قيس سعيّد ” أفرغ كل الضوابط التي تقيد الانحراف نحو السلطوية “من جوهرها. لقد غير كليا طريقة التعيينات من أجل إخضاع جميع المؤسسات والهيئات للإرادة الرئاسية. سيقوم بكل ما في وسعه لكي يكون الرئيس هو من يملك الكلمة القوية والأخيرة في اختيار المسؤولين الذين سيعملون في هذه المؤسسات والهيئات التي يزعم بأنها مستقلة”.
ومن المتوقع أن تنعكس القيم المحافظة التي يدافع عنها الرئيس قيس سعيّد فيما يتعلق بالمواضيع الاجتماعية كالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث أو مسألة مثليي الجنس أو حتى دور الإسلام، في صيغ وتركيبات متناقضة ونسبية. فعلى سبيل المثال، أعلن قيس سعيّد في 21 من يوليو/حزيران الماضي أن الإسلام لن يذكر على أنه دين الدولة في الدستور المقبل، بل سيكون هناك نص يثبت انتماء تونس إلى “أمة دينها هو الإسلام”. وهو فعلا ما ورد في النهاية في المادة الخامسة من مشروع الدستور المنشور. وهي في الحقيقة ليست إلا طريقة “تخرج الإسلام من الباب لتدخله من النافذة” حسب فانسون غيسير.
“غير شرعي”
و تأسفت اللجنة الدولية للخبراء القانونيين لعدم إطلاق مشاورات وحوارات وطنية قبل وإبان وبعد صياغة مضمون الدستور الجديد، ما يؤدي على حد اعتبارها إلى التشكيك في الشرعية الديمقراطية لمجمل هذه العملية السياسية.
وجدير بالذكر أن العديد من أعمدة كليات الحقوق والاتحاد العام التونسي للشغل وأحزاب أخرى رفضوا الانضمام إلى مبادرة الرئيس التونسي والمشاركة فيها. فعلى سبيل المثال، صرح صلاح الدين سالمي، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل أن ” المبادرة السياسية التي أطلقها قيس سعيّد ، ما هي إلا ذر للرماد”. وتابع: “لم تتم استشارتنا لا بشكل مباشر ولا غير مباشر عندما تم الإعداد لهذ البرنامج”. كما أكدت المركزية النقابية رفضها القوي لـ “استحواذ السلطة من قبل شخص واحد والانفراد بها”.
أما المشاركة الضئيلة للتونسيين (حوالي 5.9 بالمئة) في الاستشارة الإلكترونية التي أطلقت في فصل الربيع الماضي لإثراء ومناقشة مضمون الدستور الجديد، فلم يتم تعويضها بواسطة نقاشات بناءة وشفافة مع ممثلي المجتمع المدني والقوى السياسية.
فيما انتقدت اللجنة الدولية للخبراء القانونيين هذه الخطوة معتبرة إياها غير شرعية ولا تتطابق مع قواعد الإصلاح التي تضمنها دستور 2014. فهذا الأخير تميز بقطيعة نهائية مع نظام بن علي، وأسس لنظام برلماني يتمتع بضوابط عديدو تحول دون عودة أي رجل قوي إلى الحكم لينفرد به.
قطعة ورق
هذا، وبعد أن تم نشر مشروع الدستور الجديد، ستبدأ الحملة الانتخابية من 3 لغاية 25 من هذا الشهر، وهو موعد الاستفتاء الشعبي بالرغم من أن العديد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني دعت إلى مقاطعة التصويت.
كما يتوقع أن يؤدي الشعور المتزايد باليأس وخيبة الأمل لدى العديد من التونسيين بعد عام من الاضطرابات السياسية مصحوبة بتراجع اقتصادي مقلق، إلى امتناع كبير عن المشاركة في الاقتراع.
لكن سعيد بن عربية أوضح أنه “لم يتم تحديد أي نصاب في المشاركة، بمعنى أن هناك إمكانية أن تتم المصادقة على الدستور الجديد بمجرد مشاركة ألفي شخص في التصويت فقط. وفي حال تم ذلك، فهذا سيمدد دون شك الأزمة المؤسساتية ويكرسها في تونس”.
وأنهى من جانيه فانسون غيسير: “هذا الدستور لن يكون سوى مجرد قطعة ورق مقارنة بحكم الرئيس سعيّد والذي سيكون أكثر تسلطا وشخصنة ورئاسوية. قدرة هذا النظام في الاستمرار والبقاء غير مرهون بالمصادقة على هذا الدستور الجديد. لأن هذا النص سيكون إحدى عوارض النظام وليس ركيزته الأساسية”.