منوعات

اتكالية الأبناء.. كيف بدأت؟ وهل يتمكن الأهل من تعديل هذا السلوك؟

الاستشارية مها بنورة: الحب والحنان لا يتعارضان مع اعتماد الأبناء على أنفسهم، وحب الأبناء يستدعي من الأهل قول كلمة “لا” حتى يتعلم أطفالهم السلوك الصحيح.

عمان – تبدأ الأم بطيبة خاطر في تحمل مسؤوليات ابنها لترسل له رسائل المحبة عبر القيام بأي أمر عنه، وكل أم لها نظرة خاصة حول قدرات أبنائها، فتوظف العاطفة بدل العقل، وبهذا تمهد طريق الاتكالية في الحياة لأبنائها. وبعد فوات الأوان تبدأ الشخصية الاتكالية بالظهور بقوة، وقد توظَّف هذه الصفة سلبا في كل المسارات الحياتية، فتنعكس سلبا على الأبناء وكل أفراد الأسرة.

ويقع العديد من المربين بهذا الفخ من دون قصد، فالأم أو الأب أو كلاهما ينصبان الفخ بأنفسهما، ظنا منهما أنهما يستميلان عواطف الابن، ليكون مطيعا لهما أو لأحدهما، وقد يكون هذا مصدرا لسعادة الابن، وهذا ينعكس على المربين، فبعد إدراك النتائج في شخصية الابن أو الابنة، يحاولون إصلاح الأمر، فيواجهون صعوبة، وقد لا يتمكنون من تحقيق ذلك. فما الحل؟ وكيف يمكن استدراك الأمر؟

الاتكالية بتلبية جميع احتياجات الأبناء

وحول تربية الأبناء واتكاليتهم على الآباء تقول استشارية العلاقات الزوجية والتربوية مها بنورة “أصبحت تربية الأبناء تختلف من جيل الآباء لجيل الأبناء، ومن هنا نرى بعض الآباء والأمهات، يحرصون على تلبية كل احتياجات الأبناء الضرورية وغير الضرورية، بشكل مفرط، واعتبار ذلك دليل حب وحنان من قبلهم”.

وأشارت بنورة إلى أن الاتكالية تأتي عندما يغيب دور الأب والأم في التربية، وكذلك عندما يعتمد الطفل على وجود المساعدة داخل المنزل.

وتوضح بأن ظروف العمل التي أجبرت نسبة كبيرة من الأمهات والآباء على ترك منازلهم لساعات طويلة لتلبية الاحتياجات الأساسية بالعيش؛ كان لها الأثر أيضا بتغيير طبيعة العلاقة بين الأبناء والوالدين، مما يجعل الأهل يعوضون عدم وجودهم بالبيت مع أبنائهم وقضاء أوقات ماتعة ومفيدة معهم لتعويض الأبناء الحنان بالأشياء المادية، وقد تكون على شكل هدايا أو نقود، إذ أصبحت نظرة الأبناء لوالديهم أن وظيفتهم هي الحصول على نقود، ليستطيعوا العيش بطريقة معينة تناسب المعايير الاجتماعية والبيئة المحيطة بهم.

سلبيات اتكالية الأبناء

وتذكر الاستشارية مها بنورة أن من إحدى سلبيات اتكالية الأبناء، عدم وجود تواصل اجتماعي بين أفراد الأسرة، حيث تم ملاحظة عدم معرفة الوالدين لتفاصيل تخص أبناءهم على الصعيد الأكاديمي وعلاقاتهم الاجتماعية. مما كان له الأثر السلبي على التحصيل الأكاديمي للأبناء، ومشاكل سلوكية ونفسية يعانون منها بسبب تعلقهم بالأجهزة الذكية، وتعاملهم مع أشخاص لا يعرفونهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وأضافت أننا نلاحظ في السنوات الأخيرة الكثير من الآباء والأمهات يشعرون بالصدمة من سلوكيات أبنائهم، وعند توجههم للجهات المختصة لمساعدتهم، وأول جملة تقال “لم نعد نعرف أبناءنا.. نحن لم نقم بتربيتهم هكذا.. ولا يوجد لدينا في تاريخ العائلة أبناء يتصرفون هكذا”.

وتبين “هذا ما يحصل عند ترك الأبناء من دون رقابة الأهل داخل المنزل ومتابعتهم بالمدرسة منذ الصغر، فالطفل يخزن كل التجارب التي يمر بها من خلال وجوده بالبيت والمدرسة. لكن الأهل غير مدركين خطورة ترك الأبناء، وعدم مشاركتهم تفاصيل حياتهم، وبناء لغة حوار بينهم وبين أبنائهم”.

لا تنتظر أن يكون ابنك مثلك

وتشير الاستشارية مها إلى أن هذا السلوك يتم اكتسابه منذ الصغر، ويتطور مع مرور الوقت ويصبح عادة، بمعنى أن الطفل معتاد أن يقول لأهله كل التفاصيل التي تحدث معه ويشاركها وهو سعيد وواثق بأن والديه ينصتون له ويتقبلون ما يقوله، ويلبون احتياجاته ومتطلباته دائما.

وتقول “لم تعد تربية جيل أبنائنا بهذا الزمان سهلة، وخصوصا مع انفتاح أبنائنا على العالم الخارجي من دون قيود، لذلك لا تنتظر أن يكون ابنك مثلك، العالم والزمان الذي عشنا به يختلف كل الاختلاف عن عالمهم، لذلك كل ما تستطيع فعله هو أن تتواصل مع أبنائك، ويتم ذلك في أوقات خاصة للأبناء لقضاء وقت ماتع معهم وتعزيز علاقاتك بهم”.

وتكمل بالقول إن الثقة بالنفس والحب والحنان أمور لا تتعارض مع أن يكون أبناؤك معتمدين على أنفسهم، فالطفل بطبيعته يرغب بالاعتماد على نفسه منذ الصغر، وممكن ملاحظة هذا السلوك عندما يبدأ باكتشاف العالم الذي يعيش فيه، ويبدأ بتجربة الوقوف والمشي بمفرده، وتذوق الأكل من خلال تقليد الأهل، لذلك يجب دعم هذا التطور ومراعاته بطريقة صحيحة، فحب الأبناء يستدعي منا قول كلمة “لا” حتى يتعلم السلوك الصحيح.

تطوير مهارات التواصل

وتنصح الاستشارية جميع الأهل بأن يطوروا مهارات التواصل لدى الأبناء، وأن يعرضوهم لخبرات حياتية تساعدهم على الاعتماد على أنفسهم، فمثلا يمكن إعطاء الابن مهمة ينجزها من خلال بيئة عمل، وتقاضي أجر معين، حتى يبدأ بتكوين فكرة عن حقيقة الحياة التي يعيشها ومتطلباتها.

وهذا يساعد الأبناء على البدء بوضع أهداف في حياتهم، على سبيل المثال “ماذا سأكون في المستقبل؟” و”ما المهنة المناسبة لي؟”، ومن هنا يبدأ الفرد بالبحث داخل أعماقه واكتشاف المهارات والميول الخاصة به. وفق الاستشارية مها بنورة.

وتختم بقولها “كل شخص يستطيع أن يتغير إذا قرر ذلك، فلا يوجد عمر محدد للتغيير أو التطوير، كل منا بحاجة لمساعدة من مختص يرافقه في تطوير قدراته ومهاراته بمجالات متعددة، وهذا ما أنصح الأهل أن يبدؤوا بعمله لأنفسهم ولأبنائهم، فنجاح أبنائهم يعتمد على المهارات الاجتماعية التي يمتلكونها أكثر من شهادات ودرجات علمية في اختصاص ما”.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق